البیرة
إلْبيرَة، مدينة قدیمة ومرکز إقلیم بنفس الاسم في جنوب الأنـدلس، سميـت أيضـاً لبيـرة و بلْبيرِة (الضبي، 296؛ ياقـوت، 1 / 348). أخذ هذا الاسم من اسم مدینة إليبیري الرومية القديمة ومعناه «المدينة الجديدة» (EI1,III / 24). كانت تقع على شاطئ نهر شنيل عند سفوح سلسلة جبال بنفس الاسم، وعلى بعد 6 أميال عن غربي غرناطة، و30 ميلاً عن لُوْشا، و90 ميلاً شرقي قرطبة (ابن الدلائي، 89؛ ابن عبد المنعم، 28، 513؛ ياقوت، أيضاً EI2، ن.صص). وكانت علی مسافة قريبة من المَريّة وجيّان1 ومالقة (ابن سعيد المغربي، 2 / 91). کانت إلبیرة في القرون الوسطى من أهم القواعد التي اتخذها حكام العرب الأوائل مقراً لهم وأطلق هذا الاسم علي الإقليم الذي سمي غرناطة فيما بعد وتوافق حدودها إدارياً وعسكرياً حدود ولاية غرانادا حالياً (EI2,II / 1012).
ما إن بدأ المسلمون بشن الهجوم على الأندلس (92ه / 711م) حتی ظهرت بوادر الفتوح في إقليم إلبيرة وسرعان ما استسلم سكانها ــ ومعظمهم من اليهود والنصارى ــ وسلموا المدينة إلى المسلمين إلا أنهم ظلوا على ديانتهم لفترة طويلة ولم يعتنقوا الإسلام إلا في عهد عبدالرحمن الثاني ( أخبار... ، 21-22؛ المقري، 1 / 263؛ دوزي، 232,325). وعندما نشبت الخلافات بين القبائل العربية النازحة إلى الأندلس واتسع نطاقها، قرر أبوالخطار حسام بن ضرار الكلبي (125ﻫ / 743م) تفريق القبائل المتخاصمة في مختلف أنحاء الأندلس بغية إخماد الفتن وإنهاء الخلافات، فاستـوطن إلبيـرة عـرب الشـام وازداد عددهـم فيها تدريجيـاً (ابن القوطية، 44؛ ابن الأثير، 5 / 491؛ مؤنس، 222، 375؛ عنان، نهاية ... ، 22).
لما قامت الدولة الأموية في الأندلس سنة 138ﻫ / 755م خضعت إلبيـرة للحكـم الأمـوي فدخلتهـا جيوش عبد الرحمـن بن معاويـة ( أخبار، 85؛ ابن الخطيب، الإحاطة ... ، 4 / 339-340، أعمال ... ، 8؛ دوزي، 167) وانشغلت بتعزیز تحصیناتها وترسیخ أرکان الحکم فیها بعد أن سیطرت علی قلاعها وأخمدت عدة ثورات منها ثورة دحیة الغساني (ابن الأثير، 6 / 58؛ ابن خلدون، 4(2) / 268-269).
شهـدت الأندلس منـذ أوائـل القرن الـ 3ه / 9م ثورات دامیـة ونزاعات أهلیة مدمرة مما أدی إلی تضعضع أرکان الحکومة المرکزیة حتی امتد نطاق الخلافات إلی الأقالیم الجنوبیة، فتحولت إلبیرة منذ ذلک الحین إلی معقل منیع لزعماء الثورات وأصحاب الفتن وذلک بسبب موقعها الإستراتیجي المتميز(شحنه، 26؛ دوزي، 321؛ أيضاً ظ: ابن حيان، 3 / 55-62). فقام ابن حفصون في أواسط القرن الـ 3ﻫ بشن هجمات متتابعة على إلبيرة وضواحيها واستطاع من السيطرة عليها بين حين وآخر(النويري، 23 / 391؛ ابن الخطيب، الإحاطة، 4 / 39-40، 271؛ ليفي پروفنسال، II / 10,14,19). واستمرت النزاعات والاضطرابات فیها حتی اعتلی عرش الخلافة عبد الرحمن الثالث (حك 300-350ه / 913-961م) والذی بذل جهوداً في إحلال الأمن والسلام في أرض الأندلس. فمنذ ذلک الحین ساد الهدوء والاستقرار نواحي إلبیرة نسبیاً (ابن حيان، 3 / 55؛ ليفي پروفنسال، II / 23-24).
وعقب سقوط الدولة الأموية في الأندلس، اتسع نطاق ثورة البربر ليصل إلى إلبيرة. وأخيراً وفي 401ه / 1011م خضعت هذه المنطقة لسلطانهم، ولم يلبث طويلاً حتى أسسوا في إلبيرة دولة مستقلة لسليمـان بن الحكم (المستعين) (ابن عذاري، 3 / 102؛ ليفـي پروفنسال، II / 314-316). وفـي 403ه منح سليمان إلبيرة لقبيلة صنهاجة، وبذلک قامت دولة بني زيري فیها (ابن الخطيب، أعمال، 119؛ عبد الله زيري، 18-19؛ عنان، دول ... ، 121).
1. Jaén
فبدأت إلبيرة تضمحل تدريجياً نتيجة الاضطرابات والحوادث المختلفة ومنها ثورة البربر في قرطبة، فهاجر سكانها إلی غرناطة (ابن سعيد المغربي، 2 / 93؛ ابن عبد المنعم، 28). وتزامناً مع سقوط قرطبة في شوال 633 / حزيران 1236، استسلمت إلبيرة للمسيحيين، وخاب المسلمون في مساعيهم لاستردادها (عنان، نهاية، 117- 118). فنزل بإلبیرة الدمار علی مر الأیام، بحیث لم یبق منها سوی الأطلال والخرائب کما وصفها ابن الخطیب والذي زار تلك المنطقة في القرن 8ﻫ / 14م (EI1 ، ن.ص)، إلا أن إحدى قلاعها كانت لاتزال قائمة حتى 891ه / 1486م (EI2,III / 1110). ولقد اندثرت المدينة الیوم تماماً ويطلق هذا الاسم حالیاً على بوابة في شمال غرب غرانادا وعلى سجن وبئر ماء وسلسلة جبال في المنطقة نفسها (EI1 ، ن.ص؛ عنان، الآثار ... ، 174).
وقد ورد في المصادر أسماء بعض مشاهيرها من الشعراء والمحدثين والعلماء (ظ: ابن الفرضي، 2 / 38، 43؛ الحميدي، 2 / 439، 528؛ ابن بشكوال، 1 / 317، 2 / 458؛ النباهـي، 60، 61؛ ابن الخطيب، الإحاطة، 4 / 29-30؛ المقري، 4 / 322).
المصادر: ابـن الأثير، الكامل؛ ابـن بشكـوال، خلف، الصلـة، تق : عزت العطار الحسيني، القاهـرة، 1374ه / 1955م؛ ابن حيان، حيـان، المقتبس، بـاريس، 1937م؛ ابن الخطيب، محمد، الإحاطة، تق : محمد عبد الله عنان، القاهرة، 1397ه / 1977م؛ م.ن، أعمـال الأعلام، تق : ليفـي پروفنسال، بيـروت، 1956م؛ ابن خلـدون، العبر؛ ابن الدلائي، أحمـد، ترصيع الأخبار، تق : عبد العزيـز الأهواني، مدريـد، 1965م؛ ابن سعيد المغربي، علي، المغرب في حلى المغرب، تق : شوقي ضيف، القاهرة، 1955م؛ ابن عبد المنعم الحميري، محمد، الروض المعطار، تق : إحسان عباس، بيروت، 1980م؛ ابن عذاري، أحمد، البيان المغرب، ج3، تق : كولن وليفي پروفنسال، ليدن، 1951م، ج4، تق : إحسان عباس، بيروت، 1967م؛ ابن الفرضي، عبد الله، تاريخ العلماء والـرواة للعلم بالأندلس، تق : عـزت العطـار الحسيني، القاهـرة، مكتبة الخانجـي؛ ابن القوطية، محمد، تاريخ افتتاح الأندلس، تق : إبراهيم الأبياري، القاهرة، 1402ه / 1982م؛ أخبار مجموعة، تق : إبراهيم الأبياري، القاهرة، 1401ه / 1981م؛ الحميدي، محمد، جذوة المقتبس في تاريخ علماء الأندلس، تق : إبراهيم الأبياري، بيروت، 1403ه / 1983م؛ الضبي، أحمـد، بغيـة الملتمس، مدريد، 1884م؛ عبد الله زيري، مذكرات، تق : ليفي پروفنسال، القاهرة، 1955م؛ عنان، محمد عبد الله، الآثار الأندلسية الباقية في إسبانيا والبرتغال، القاهرة، 1381ه / 1961م؛ م.ن، دول الطوائف، القاهرة، 1380ه / 1960م؛ م.ن، نهاية الأندلس، القاهرة، 1386ه / 1966م؛ المقري، أحمد، نفخ الطيب، تق : إحسان عباس، بيروت، 1388ه / 1968م؛ مؤنس، حسين، فجر الأندلس، القاهرة، 1959م؛ النباهي، علي، تاريخ قضاة الأندلس، بيروت، 1403ه / 1983م؛ النويري، أحمد، نهاية الأرب، تق : أحمد كمال زكي ومحمد مصطفى زيادة، القاهرة، 1980م؛ ياقوت، البلدان؛ وأيضاً:
Chejne, A.G., Muslim Spain, Its History and Culture, Minneapolis, 1974; Dozy, R., Spanish Islam, tr. F.G. Stokes, London, 1913; EI1; EI2; Lévi-Provençal, E., Histoire de l’Espagne musulmane, Paris, 1950
عزت ملا إبراهيمي / م.